📰 عدالة معلقة وقضاة بلا حماية: السلطة القضائية في اليمن بين الإهانة والتجويع


تحقيق تحليلي خاص – بوابة القانون والقضاء اليمني.




في اليمن ، وبين جدران المحاكم التي يُفترض أن تكون ملاذ المظلومين، يعيش القاضي اليمني أكثر أوقاته إذلالًا وتهميشًا منذ قيام الجمهورية. فرغم القسم الذي أدّاه بـ"أن يحكم بين الناس بالعدل"، فإن واقعه المعيشي والوظيفي يكشف عن سلطة قضائية تُحاصر من كل الجهات: ماليًا، وأمنيًا، وإعلاميًا، ومؤسسيًا، حتى باتت قرارات القضاة بلا قوة، وكرامتهم بلا ساتر.


◾ راتب لا يفي بالإيجار.. فكيف بالعيش؟

لا يتجاوز راتب القاضي في صنعاء 250,000 ريال يمني شهريًا، أي ما يعادل نحو 470 دولارًا بسعر الصرف الرسمي (533 ريالًا للدولار)، أو قرابة 200 دولار بسعر السوق. في المقابل، يصل إيجار أبسط شقة سكنية إلى 200 ألف ريال للقاضي رب الأسرة الكبيرة و100 ألف ريال للقاضي رب الأسرة الصغيرة . وباحتساب تكاليف الماء والكهرباء والمواصلات والغذاء والتعليم، نجد أن القاضي يعيش تحت خط الفقر، وبلا أي مخصصات إضافية أو سكن وظيفي أو بدل انتقال.


◾ البطاقة القضائية لا يُعتَرَفُ بها كوثيقة رسمية !


في مفارقة تُثير الاستغراب والأسى، لا تعترف أغلب الجهات العامة والخاصة بالبطاقة القضائية ولا تعطي لحاملها وزنا حتى شركات   الصرّافة  أو البنوك لا تقبل البطاقة القضائية كوثيقة تعريفية لصرف راتب القاضي ، في حين يُقبل التعامل بالبطاقة العسكرية بسهولة. وهكذا، يفقد القاضي احترام السوق، كما فقد من قبل حماية السلطة، ومعها احترام  فئات المجتمع.


◾ أوامر لا تُنفذ.. ما لم يوافق قسم الشرطة


رغم صدور الأحكام القضائية "باسم الشعب"، إلا أن تنفيذها مرهون برضا مأموري الضبط ومدراء أقسام الشرطة، ما يجعل هيبة القاضي رهينة مزاج السلطة التنفيذية. وقد يحدث أن يُعلّق أمر قضائي مشروع، أو يُماطل فيه، أو يُرفض تنفيذه بالكامل، دون أن يُسأل أحد.


◾ خروج القاضي إلى الميدان.. مخاطرة قد تودي بحياته


لا تملك المحاكم الاستئنافية ولا الابتدائية أي أطقم عسكرية مخصصة أو وحدات أمنية لحماية القضاة أثناء النزول الميداني أو تنفيذ الأحكام. وقد سُجلت حالات لقضاة تعرضوا للتهديد أو القتل أثناء تأدية مهامهم، في ظل غياب أي مظلة أمنية أو خطة حماية مؤسسية لهم.


◾ كل موظف في المحكمة يُحسب على القضاة!


لا يميز كثير من الناس بين القاضي الحقيقي والموظف الإداري. فـ"أمين السر"، و"المُحضر"، و"الجندي الإداري"، جميعهم يُلقبون مجتمعيًا بـ"قضاة"، وما يرتكبه أحدهم يُحسب مباشرة على القاضي في نظر الجمهور. وهذا ما يتسبب في انهيار الصورة المجتمعية للقضاء، حيث تتراكم الشكاوى والاتهامات على القاضي، وهو منها براء.


◾ القاضي اليمني: محاصر من جميع مصادر الدخل


في سابقة فريدة بين موظفي الدولة، يخضع القاضي اليمني لحصار غير قانوني صارم يمنعه من تحصيل أي دخل مشروع خارج راتبه الهزيل:


ممنوع عليه التحكيم، حتى إن طلبه الناس.


ممنوع عليه تقديم الاستشارات القانونية، رغم خبرته.


ممنوع عليه كتابة العقود، وعقوده لا تُعتمد في السجل العقاري، بينما تُعتمد عقود الأمناء الشرعيين.


ممنوع عليه إجراء القسمة أو التصرف كوسيط، ولو تطوع بذلك.


ممنوع عليه العمل بالتجارة أو أي نشاط خاص.


ممنوع عليه حتى التعبير عن رأيه في قضايا عامة.


وبالمقابل، تنشط السلطة التنفيذية – أفرادًا وجهات – في المجال نفسه بمخالفة صريحة للقانون.

رجال إدارات أمنية ، ومحافظون ، ووكلاء محافظات ، ومشايخ، وموظفون ادارييون ، يتصدرون التحكيم، ويُجرون القسمة، ويبتّون في النزاعات ، بلا تحصيل علمي ولا معرفة قانونية ، بل ويحبسون المواطن لإجباره على التحكيم، ويفرضون أجورًا باهظة بلا سند قانوني أو رقابة قضائية أو مساءلة إدارية.

وما يزيد الطين بلة أن السلطة تغض الطرف، والإعلام صامت، والمواطن لا يجد غير هؤلاء الجهلة للإنصاف، بعدما عجز القاضي الحقيقي عن تأدية وظيفته وهو مكبل اليدين مغلول الدخل.


◾ نادي القضاة.. محاصر مثلهم


نادي قضاة اليمن، وهو الهيئة النقابية الوحيدة التي تمثل القضاة، لم يسلم من الحصار والتهميش. فقد أُجبر على إخلاء مقره لعجزه عن دفع الإيجار، وأصبح بلا مبنى ولا ميزانية تشغيل ولا منصة إعلامية.

ورغم كفاءة القائم بأعمال رئيس النادي ونزاهته المشهودة، تعرّض لحملات تشويه وتشويش ممنهجة، وأُقصي النادي عن دوره، حتى بلغ الأمر تجاهله من قبل السلطة التي لا تعترف إلا بقناة وحيدة للتفاهم بشأن القضاة، وهي القناة التي عينتها بقرار سياسي منها ، لا بانتخاب أو تمثيل حقيقي.


🔴 استقلال القضاء.. مصطلح فارغ بلا حماية وكرامة


إن الحديث عن استقلال القضاء في اليمن لا معنى له في ظل هذا الواقع. فالقاضي الجائع لا يستطيع أن يحكم بحرية، والمكشوف أمنيًا لا يجرؤ على إنفاذ العدالة بحق المتنفذين، والمهان أمام الجمهور لا يملك الجرأة على قول الحق في وجه من لا يخاف.

السلطة القضائية تنهار ببطء من الداخل، وتُسلَب قوتها وأدواتها بندًا بندًا، وقاضي اليوم يُطلب منه أن يُشبه الله في عدله، وهو لا يملك رغيفًا يُطعم به أطفاله.


🖋️ ختام القول

في بلد يبحث عن سيادة القانون، لا يمكن أن يستقيم ميزانه وقاضِيه مهدد ومُحتقر ومعزول.

فإما أن نعيد للقضاء سلاحه: كرامته وهيبته وأدواته، أو فلنلزم الصمت حين يعلو صوت الفوضى على صوت العدل.


⚖️📘 بوابة القانون والقضاء اليمني

صفحة وقناة تجمع لك كل ما تحتاجه في مجال القانون اليمني:

📌 منشورات وتحليلات قانونية

📥 مكتبة لتحميل القوانين والكتب والأحكام

📑 صيغ دعاوى وطعون ونماذج عقود جاهزة

تابعنا على فيسبوك 👇

https://www.facebook.com/profile.php?id=61578061770890

وانضم لقناتنا على تليجرام 👇

https://t.me/QanounYemeni

🔁 ساهم بنشر روابطنا بين المهتمين…

كن شريكًا في نشر الوعي القانوني، فالكلمة الواعية قوة، والمعلومة الموثوقة حق.

🚪 المعرفة القانونية تبدأ من هنا…

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

🔹 استقلال القضاء... ضمانة العدل ومهابة الدولة

📰 الأسرى اليمنيون بين التهدئة والنسيان: أين اختفت صفقات التبادل؟