🔹 استقلال القضاء... ضمانة العدل ومهابة الدولة

مقال قانوني قضائي – بوابة القانون والقضاء اليمني


في بنية الدولة، لا سلطة أقدس من سلطة القضاء، ولا وظيفة أرفع من الفصل بين الناس بالحق، ولا مقام أشرف من مقام القاضي إذا التزم الحياد والتجرد والعدل. وما من دولة ناهضة، ولا نظام مستقر، إلا وكان استقلال قضائها حجر الزاوية في بنيانها.
وحين كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عهده الشهير لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر، أفرد للقاضي موقعًا خاصًا، ومقامًا لا يطمع فيه أحد، فقال:
"وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقلّ معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه أحد من خاصتك".
هذه العبارة الجامعة تختصر فلسفة الاستقلال القضائي بأبهى صورها: استقلال القاضي في مقامه، واستغناؤه في معيشته، وإعزازه في مكانته، بما يقطع دابر الطمع، ويُبعد عنه سطوة النفوذ، ويمنحه مناعة ضد التأثيرات مهما كان مصدرها.
إن استقلال القضاء لا يعني فقط أن تكون السلطة القضائية منفصلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل أن يتمتع القاضي بحرية القرار دون وصاية أو توجيه أو ضغط من أي جهة كانت، سياسية أو أمنية أو حزبية أو حتى من قيادة السلطة القضائية ذاتها. فالقاضي لا يُستشار، بل يُحتكم إليه. ولا يُوجه، بل يُطاع حكمه.
والحصانة القضائية ليست امتيازًا شخصيًا، بل ضمانة موضوعية لحماية وظيفة القضاء من التهديدات والضغوط، سواء تلك القادمة من مراكز السلطة، أو من رأي عام مضطرب، أو من أصوات الإعلام التي قد تميل إلى العاطفة أو التهييج أو حتى التحريض.
في ظل الصراعات السياسية والمواجهات الإقليمية والداخلية، يزداد الخطر على استقلال القضاء، إذ قد تُستغل القضايا الكبرى أو الجرائم ذات البعد السياسي أو الأمني للتأثير على الأحكام، أو للضغط على القضاة باتجاهات غير قانونية. وهذا، إن وقع، لا يُضعف هيبة القضاء فحسب، بل يهدم ثقة الناس بعدالته، ويقوّض دعائم الدولة.
ومن هنا، فإن صيانة استقلال القاضي، تبدأ من تحصينه ماليًا ومعنويًا، وإبعاده عن مواطن الطمع والتهديد والضغط، وتُستكمل في تأمين بيئة قضائية تحترم قراراته، وتذود عنه إذا استهدف، وتُحاسب – بصرامة – كل من يتدخل في عمله.
لقد أراد الإمام علي عليه السلام أن يقطع الطريق على "خاصته" – أي المقرّبين من الحاكم – من التأثير على القاضي، لأن الخطر على القضاء لا يأتي دائمًا من الخارج، بل من داخل النظام نفسه، حين تُخترق قدسية القضاء باسم القرب أو الولاء أو المصلحة.
إن العدالة لا تُستدرّ إلا من قاضٍ حرّ، آمن، مستغنٍ، لا يخاف إلا الله، ولا يُراعي في حكمه إلا القانون والحق. وكل محاولة للوصاية على القاضي، أو الضغط عليه، أو التشكيك في أحكامه لأغراض شخصية أو سياسية، هي خيانة لمقام القضاء، واعتداء على أحد أعمدة الدولة.
إن واجب الوقت هو إعادة الاعتبار الكامل لاستقلال القضاء، وتحصين القضاة من كل المؤثرات، وتعزيز الثقة بهم لا الطعن فيهم، فإن سقطت هيبة القضاء، سقط ميزان العدل، وساد الاضطراب، واستبدل الناس حكم القانون بأحكام الغلبة والهوى.
🔸 فاستقلال القضاء ليس شعارًا دستوريًا، بل مبدأ وجود، وعنوان دولة، وصراط عدالة لا يجوز الحياد عنه.

⚖️📘 بوابة القانون والقضاء اليمني
صفحة وقناة تجمع لك كل ما تحتاجه في مجال القانون اليمني:
📌 منشورات وتحليلات قانونية
📥 مكتبة لتحميل القوانين والكتب والأحكام
📑 صيغ دعاوى وطعون ونماذج عقود جاهزة
تابعنا على فيسبوك 👇
https://www.facebook.com/profile.php?id=61578061770890
وانضم لقناتنا على تليجرام 👇
https://t.me/QanounYemeni
🔁 ساهم بنشر روابطنا بين المهتمين…
كن شريكًا في نشر الوعي القانوني، فالكلمة الواعية قوة، والمعلومة الموثوقة حق.
🚪 المعرفة القانونية تبدأ من هنا…

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

📰 الأسرى اليمنيون بين التهدئة والنسيان: أين اختفت صفقات التبادل؟

📰 عدالة معلقة وقضاة بلا حماية: السلطة القضائية في اليمن بين الإهانة والتجويع